تخيل نفسك في بلد مبتتكلمش لغتها ولا أنت فاهم الناس ولا هما فاهمينك ولا بيحاولوا أصلا يفهموك. تخيل ده يحصلك وأنت عايش في بلدك! مش فاهم لغة الناس وبتتكلم لغة غريبة عنهم محدش فاهمها ولا معترف إنها لغة أصلا و بيتعاملوا معاك على إنك فهمك ضعيف، وعلى قدك لمجرد إن الأصوات ملهاش نفس المعنى والقيمة بالنسبة لك زيهم. أنا أصم مبسمعش. العالم بتاعي بدون أصوات. أنا واللي زيي بيقولوا علينا “الخرس” حتى ماما لما كانت راحت تقدملي في المدرسة كانت بتسأل على العنوان، الناس كانت بتقولها كدة “مدرسة الخرس أخر الشارع” أنا ليا شخصية وليا صوت بس صوتي بعبر عنه بلغة مختلفة…بلغة الإشارة. بس علشان دي لغة محدش يعرفها فخلت العالم بتاعي محدود من وأنا صغير.
لما جيت ادخل الجامعة كنت فرحان أوي علشان أخيرا هطلع من الدايرة بتاعي الصغيرة وهبقى جزء من عالم اكبر، بس ده محصلش. الناس في الجامعة كانت على طول بتستغربني وأنا كنت بعذرهم لإنهم عمرهم ما اتعاملوا مع حد بيتكلم بلغة إشارة. وقت الجامعة حاولت اركز في دراستي اكتر وقلت لنفسي يمكن لما اتخرج الموضوع يكون مختلف. أنا اتخرجت الثاني على دفعتي في الكلية وجبت امتياز مع مرتبة الشرف وكنت متحمس أوي اني خلاص هبدأ اعتمد على نفسي واشتغل بس ده مكنش كفاية بالنسبالهم. قالولي “للأسف احنا مش هنقدر نقبلك مش هنعرف نتعامل معاك… مش هنفهمك” دي الجملة اللي كانت بتتبعتلي في كل الشغل اللي كنت بقدم عليه. محدش كان يبذل مجهود إنه يحاول يفهمني، يشوفني أنا بقدر اعمل ايه أو حتى يفكر خمس ثواني “هل ممكن فعلاً شخص أصم يشتغل معانا”.
لحد لما لاقيت شغل في مكان بيؤمن بالتنوع، وبيتعامل مع كل حد بناء على قدراته وبيوفر له سبل الإتاحة اللي هو محتاجها علشان يقدر يبين قدراته دي. أنا بشتغل مذيع النشرة الجوية في قناة دولية. بتكلم بالإشارة وبشرح للناس الطقس بالإشارة. الموضوع طلع بسيط، احنا الصم بس محتاجين أدوات تساعد إن اللغة بينا وبين الناس تكون مفهومة والأهم من ده محتاجين ناس تصدق إننا نستحق نكون جزء من المجتمع ده مش يحطونا في جزيرة معزولة لوحدنا طول حياتنا. لو نظرة المجتمع تتغير تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية هيكون وضعنا أحسن بكثير جداً ومش هنتمنع من فرص كتيرة احنا نستحقها وحاجز اللغة اللي دايماً بيقف بينا وبين أحلامنا هيتكسر.
أنا بدعم صندوق عطاء اللي بيعمل مشروعات تدعم الصم وضعاف السمع وتساعد على دمجهم في المجتمع علشان كدة أنا بشارك الناس قصتي علشان يمكن لما يشوفوا الحواجز اللي كسرتها يحسوا إنهم يقدروا يثقوا في الصم وميخافوش يدوهم فرص.
جون عماد