تلقيت نصيحة الرئيس، للبرلمان والنائب العام بتفعيل أدوات المراقبة والمحاسبة لأوجه التقصير أو الأخطاء التى قد تقع فيها أجهزة الدولة ومؤسساتها بكثير من الحذر. فأنا وصلت إلى قناعة فى عقلى بأن بعض الجهات، أو الأشخاص، فى السلطة تتعامل مع الوعود والبرامج السياسية للرئيس بالتجزئة أو وفقا للأحوال العامة فى البلد. كثير من الوعود لم تنفذ، رغم أنها كانت على الهواء وموجهة للرأى العام. بعضها تنفيذ لاستحقاقات دستورية، خاصة ما يتعلق بانتخابات المحليات أو تشكيل الهيئات التى نص عليها الدستور، أو إصدار تشريعات متعلقة بالمجتمع المدنى. وعود أخرى بإنهاء أزمات ومشكلات جماهيرية فى مدد محددة. تمر الأيام والشهور ولا يتم تنفيذ شىء على الأرض، ويبقى الوعد، جملة مكررة تلوكها بعض المواقع والفضائيات المغرضة فى إطار حملات للتشكيك بمصداقية النظام، بسبب عدم احترام بعض الجهات للرأى العام، وعدم احترامها أيضا لوعود الرئيس.
زادت عندى حالة الحذر هذه، وأنا أتلقى، فى ذهول، الطريقة التى تعامل بها رئيس البرلمان والأغلبية مع النائب أحمد طنطاوى بإحالته إلى هيئة المكتب تمهيدا لإحالته إلى لجنة القيم، بعد تقدمه بمبادرة متكاملة للإصلاح السياسى. ليس بهذه الطريقة يُدار برلمان بلد عريق عرف الحياة النيابية قبل كثير من الدول الليبرالية الشهيرة حاليا. هل فكرتم، قبل الاستغراق، فى الإجراءات التى تتخذونها بحق طنطاوى، أو أى نائب مختلف معكم، كيف سيتلقى الرأى العام المحلى والعالمى الأمر، ومن الذى ستلوكه التقارير والتعليقات نتيجة هذا التشدد غير المسبوق. هناك برلمانات ليست بعيدة عنا، تحاسب الرؤساء وتعزلهم. تستجوب الحكومات وتقيلها لو عجزت عن الوفاء بالتزاماتها أو لو حادت عن الطريق.
شاهدت الفيديو الذى طرح فيه طنطاوى مبادرته. صفحة حزب الدستور لخصت ما قاله فى تسع نقاط. أنا لا أذهب مع طنطاوى فى واحدة منها على الأقل. حديثه عن العودة لدستور 2014، فيه نوع من المثالية السياسية، وعدم فهم للمعطيات على الأرض. أحيانا يحتاج السياسى إلى فهم آليات «فقه الواقع» من الشيوخ والعلماء. ما دون ذلك فإن مبادرته تتعاطى مع نفس العناوين الكبرى التى وعد بها الرئيس بنفسه. أفكار تتعلق بحل أزمة المحبوسين احتياطياً، وتخفيف القيود عن الحريات، وزيادة المعاشات والأجور، وتطوير خدمات التعليم والصحة والإسكان، وإصلاح النظام الانتخابى… إلخ.
بقى فقط أمران أشير إليهما فى النهاية، فرغم عدم حماسى للبرلمان الحالى وممارساته، فإننى أتصور أنه أفضل مما سيكون عليه البرلمان القادم. لا أتوقع معارضة حقيقية فيه. لن يصل ممثلو تحالف 25- 30 لمقاعدهم مجددا. النقطة الثانية أن على القائمين على الأمر أن يتعلموا من الأخطاء السابقة التى جرت فى مصر طوال العقود الماضية.
مؤتمرات الصحافة<
فى الوقت الذى كان «منتدى إعلام مصر» مشغولا هو وضيوفه، الأبرز والأشهر على الساحة، فى البحث عن «وصفة» مثالية للصحافة الجيدة، من خلال (المحتوى، الممارسات، نماذج الأعمال)، كانت المؤسستان الصحفيتان الأكبر على الساحة، «أخبار اليوم والأهرام»، مشغولتين فى تنظيم مؤتمرين كبيرين وحاشدين عن «قضايا الاستثمار والتصنيع والتصدير» و«صناعة الدواء»!.
ما أكتبه هنا ليس انتقاصا من قيمة المؤتمرين بالطبع. المؤتمرات وتنظيمها سلوك عصرى يعطى مكانة مهمة للمؤسسة فى المجتمع، ولها فوائد مادية مهمة، لكن أليس من الأولى على مؤسساتنا الكبرى، ونقابة الصحفيين وكليات الإعلام والهيئات الوطنية المسؤولة، أن تبحث هى بنفسها فى أزمات المهنة التى طالت الجميع بلا استثناء.
«الأهرام وأخبار اليوم» قادرتان على تنظيم سلسلة من الندوات والمؤتمرات تناقش أفكار إنقاذ المهنة، وزيادة التوزيع، ومستقبل الإصدارات الخاسرة، وإدارة الأصول التى تمتلكها بكفاءة اقتصادية، وهل يمكن تأسيس مصنع لورق الصحف، ومستقبل العمالة الزائدة غير الماهرة، فى الوقت الذى تحتاج فيه لشباب قادر على التعامل مع الوسائط الحديثة، إضافة بالطبع لمناقشة قضايا الحريات حاليا ومقارنة الواقع الصعب الحالى بالفترات المماثلة فى تاريخنا الصحفى، وكيف تعامل الأساتذة الرواد حينها مع التضييق على المهنة وأصحابها.
وإذا كنت قد اقترحت مجموعة من العناوين لمؤتمرات صحفية، فيمكننى أيضا أن أقترح أفكارًا مماثلة على العاملين بالإعلام المرئى، خاصة ماسبيرو. أبدا بإشكالية يقولها العاملون بالتليفزيون، عن كراهية الدولة الرسمية لهم، مع تفضيل فضائيات بعينها. ليتهم يناقشون بموضوعية هذه الأسباب، مع التركيز على محور مهم عنوانه: «مقومات الحياة لدى ماسبيرو. كنوزه المنهوبة، وهل يمكن استعادتها، أو على الأقل الحصول على مقابل عادل نظير خروجها. إدارة أصول ماسبيرو، وتفعيل حقوقه فى القانون فيما يتعلق بعوائد المشاهدة. هل يستطيع إنتاج قناة أخبار كبرى تنافس الفضائيات الشهيرة دوليا وعربيا.
أما عن المنتدى الإعلامى، الذى انطلقت منه هنا، وينظمه المعهد الدنماركى المصرى للحوار، فكان رائعا كالعادة بإدارته الذكية من الزميلة نهى النحاس ومجموعة من الأصدقاء الصحفيين. كانت هناك لهفة من الصحفيين، خاصة من الشباب، على التعلم والتدريب، وهو سلوك يؤكد لى أن المهنة مازالت نابضة بالحياة وبمقومات النجاح، فقط لو ابتعد الدخلاء عن المشهد، واحترمت الدولة دورنا.
خرجت بانطباع واحد بعد المناقشات التى حضرتها، أو التى تابعتها مسجلة، وهو أن الكل يشكو من سوء الأوضاع الصحفية، سواء أكان صحفيا مبتدئا أو مسؤولا نقابيا أو تحريريا، وألا أحد قادر على التبرير أو التسويق أننا بخير، أو على الأقل الادعاء بأننا أفضل من غيرنا. والأهم أن الجميع يعلم أن المسؤول عن وصول الأوضاع لهذا المستوى يعمل بعيدا عن النصوص التشريعية الطبيعية التى نعلمها جميعا. نصيحتى أن نوجه له- أو لهم- كل التوصيات التى صدرت عن هذا المؤتمر، وأن نتبعها بمجموعة من المقالات والتقارير عن حقيقة الأوضاع الإعلامية.. وأنه من المستحيل أن تستمر هكذا.
صندوق «عطاء»<
لم أسعد بحضور فعالية رسمية بقدر سعادتى بحضور إطلاق وزيرة التضامن، غادة والى، ونخبة من قيادات البنوك والجمعيات الأهلية، صندوق الاستثمار الخيرى «عطاء»، قبل أيام. الصندوق، وهو الأول من نوعه فى مصر، هدفه: دعم ذوى الإعاقة.
بنك ناصر الاجتماعى أسسه بهدف استثمار الأموال ليوجه عائدها لرعاية ودعم مؤسسات ذوى الإعاقة. الفكرة جاءت فى إطار إعلان الرئيس تخصيص 2018 لتمكين ودمج هذه الفئة الغالية بالمجتمع.
ووفقا لتوجيهاته، تم تخصيص 80 مليون جنيه من صندوق «تحيا مصر» لصالح الصندوق، بالإضافة إلى مساهمة بنك ناصر بـ20 مليونا، ووزارة الأوقاف بـ20 مليونا أخرى، وبنك قناة السويس بـ5 ملايين جنيه. وخلال المؤتمر تعهد عدد من قيادات البنوك بالمساهمة فى الصندوق، وهو ما سيظهر خلال الفترة المقبلة. هدف الصندوق هو الوصول إلى 250 مليون جنيه بصفة مبدأية قبل زيادة رأس ماله إلى مليار جنيه، للإنفاق من أرباحها على مشروعات تعليمية وصحية لذوى الإعاقة، إضافة إلى المساهمة فى التدريب والإعالة.
أعجبنى تقديم المذيعة الجميلة، متحدية الإعاقة، رضوى حسن، للحفل. حضورها قوى، لغتها سليمة، تنتقل بين الفقرات والضيوف برشاقة. أعجبنى أيضا حرص الوزيرة على شكر كل الوزارات والهيئات التى تدعم خطط الوزارة والمجتمع بحق ذوى الإعاقة. وأعتقد أنها لم تنس أحدا. أتمنى فقط أن تتواصل معالى الوزيرة مع السيد وزير النقل لإقرار تخفيضات للأهالى المرافقين لذوى الاحتياجات الخاصة فى المواصلات العامة. هذا حقهم علينا، وسيادة الوزيرة تعلم، أكثر من الجميع، طبيعة التسهيلات التى يحصلون عليها فى المواصلات العامة، فى دول غربية وعربية.